الفستان الابيض

وضعني القدر في موطني الجديد في بقعة تعلمت منها الكثير و الكثير،حيث يقع مسكني أمام معرضين لفساتين الزفاف، ومنشباك حجرتي الصغير ،لمحت أمامه أحلاما تتلاقى ،و آمالا تبنى في عيون مازالت بعد صغيرة...

بحكم موقع المعرضين بجوار مجمع طنطا الطبي(الا عليه لعنة الله ) فإن نسبة كبيرة من زائراته تقع في نطاق طالبات الطب و الصيدلة وما شابههما...

كنت أعتقد أن الجمود الفكري -و العاطفي قبله -في تلك الدراسة قد قتل داخل الآنسات من طالباتها تلك الأحلام الوردية التقليدية والتي قد يراها البعض مبتذلة ، تلك الاحلام العتيقة بالفستان الابيض و الكوشة والزفة...
كنت أعتقد ان لها ما لها علينا نحن تالابائسين من طلبتها حيث دمرت تماما و نهائيا اخر بارقة أمل أ, شرارة حماس نحو الحياة بشتى مناحيها..
و لكن...قد أذهلني ما رأيت...ما زالت تلك أحلامهن، ومازلت عيونهن تتعلق بتلك الفساتين تقلبها و تنتقيها وتصورهن داخلها.

قد يتساءل البعض " وكيف رأيت كل هذا عن بعد؟ أوتراك استشففته بقدرة سحرية من الدور السابع؟
إنها معجزة الأمل يا أصدقائي و قدرته الفتاكة على الانتشار واصابة اصحابه بهالة متلألئة ، ونشر عدواه على من حوله.

على مدار النهار و بعض من أطراف الليل تجد واحدة -أو أ:ثر-تقف..يتدلى معطفها الابيض-و شتان بينهما رغم اتفاق اللون- من فوق يديها، تجد رأسها مشدوها مشدودا نحو فستان ما ، تقف كمن على رأسه الطير ، تتأمل روعته كناسك يقف في محراب، تكمل طريقها ، خطوتين ثم نجد رأسها قد استدارت مرة أخرى لتشبع عينيها من بهائه.

في المرات القليلة التى تسنى لي أن شاهدت مثل هذا المشهد على الارض ، رأيت في أعينهن فرحة خفية ، وحلما بريئا ساهما ، حتى وان تطرق حديثهما الى الموضة الجديدة أو السخرية من هذه الكسرة ، أو تلك.

أما الفرحة الصارخة التي رأيتها ذات مرة، فكانت فتاة في العشرينات من عمرها ، تصحبها أمها خارج المحل و هي تحتضن فستانا شاهق البياض يبرق تحت غطاءه وهي تضمه اليها و تتشبث به كمن وجدت طفلها بعد غياب، تدور في عينيها فرحة شديدة ،تكاد تصرخ "وجدته..وجدته"

مشهد أخر هز قلبي حتى شريانه التاجي...اثنين.. شاب وفتاه في فترة الخطوبة ،أعرفها أصلا ولكن ساعتها لم يلحظاني ، رأيت رأسيهما يتقاربان في تناسق رائع لكي تريه فستان أعجبهاو هو يثني -طبعا - على اختيارها ثم ينتقل {اسيها سويا في ذات التناغم الى آخر يتأملانه ، يحدو به طبع الرجال أن يكمل الطريق ، ولكنها في ود وثقة تجذبه من يده ليعود لنافذة الفستان منرة أخرى ، وهو يرضى بتلك الجذبة الحنون ويعود مكانه ليرى ما تريد حبيبته......

حقا شكرا للأقدار أن وضعتني في هذا المكان لأرى ما سر قلبي و أسعده ، وأتمنى بكل ذرة سعيدة منه أن يتحقق حلم كل فتاة بفستانها الابيض و فارسها على حصانه-مش لازم حصان أوي يعني- وأن يسعد الله كل قلبين ارتبطا على رباط الحب الى يوم الدين


حسام الصعيدي
طنطا في 5/1/2010

Comments

Popular posts from this blog

يا منفي

الشيخ عبود بطل الحرب و السلام

اسكندرية،،، ليه؟!