عرس الزين

دي سلسلة جديدة من التدوينات قررت أبدأها النهارده و كل مرة هاكتب فيها عن كتاب قريته مؤخرا من الكتب اللي جبتهم المعرض الاخير 

أول كتاب أخلصه كان "عرس الزين" للكاتب السوداني الرائع "الطيب صالح".
بصراحة دي كانت أول مرة أقرأ له أي حاجة برغم أني اشتريت موسم الهجرة للشمال و التي تعتبر أشهر رواياته الا اني قررت أبدأ بحاجة اقل شهرة عشان اتعرف اكتر على الكاتب

الرواية  تعتبر صغيرة بشكل أو بآخر و؛قيقة قابلت صعوبة في البداية في استيعاب الحوار المكتوب باللهجة السودانية الا انه بالتوغل داخل الرواية ملكت الى حد ما مفاتح قراءة تلك اللهجة الجديدة و الخاصة جدا.

الرواية تتسم بالبساطة الشديدة والعمق الشديد في نفس الوقت تتخللها فقرات من الوصف الرائع للنيل أو البيئة السودانية الرائعة البساطة.

من أروع الأجزاء تلك الفقرة الرائعة أرجو أن تستمتعوا بها:
" تتابعت الأعوام ، عام يتلو عاما ، ينتفخ صدر النيل ، كما يمتلئ صدر الرجل بالغيظ ويسيل الماء على الضفتين ، فيغطي الأرض المزروعة حتى يصل إلى حافة الصحراء عند أسفل البيوت ، تنق الضفادع بالليل ، وتهب من الشمال ريح رطبة مفعمة بالندى تحمل رائحة هي مزيج من أريج زهر الطلح ورائحة الحطب المبتل ورائحة الأرض الخصبة الظمأى حين ترتوي بالماء ورائحة الأسماك الميتة التي يلقيها الموج على الرمل ، وفي الليالي المقمرة حين يستدير وجه القمر يتحول الماء إلى مرآة ضخمة مضيئة تتحرك فوق صفحتها ظلال النخل وأغصان الشجر والماء يحمل الأصوات إلى أبعاد كبيرة ، فإذا أقيم حفل عرس على بعد ميلين تسمع زغاريده ودق طبوله وعزف طنابيره ومزاميره كأنه إلى يمين دارك . ويتنفس النيل الصعداء ، وتستيقظ ذات يوم فإذا صدر النيل قد هبط وإذا الماء قد انحسر عن الجانبين ، يستقر في مجرى واحد كبير يمتد شرقا وغربا ، تطلع منه الشمس في الصباح وتغطس فيه عند المغيب . وتنظر فإذا أرض ممتده ريانة ملساء ترك عليها الماء دروبا رشيقة مصقولة في هروبه إلى مجراه الطبيعي . رائحة الأرض الآن تملأ أنفك فتذكرك برائحة النخل حين يتهيأ اللقاح . الأرض ساكنة مبتلة ، ولكنك تحس أن بطنها ينطوي على سر عظيم ، كأنها امرأة عارمة الشهوة تستعد لملاقاة بعلها . الأرض ساكنة ولكن أحشاءها تضج بماء دافق هو ماء الحياة والخصب . الأرض مبتلة متوثبة ، تتهيأ للعطاء ، ويطعن شيء حادا أحشاء الأرض . لحظة نشوة وألم وعطاء . وفي المكان الذي طعن في أحشاء الأرض ، تتدفق البذور ، وكما يضم رحم الأنثى الجنين في حنان ودفء حب . كذلك ينطوي باطن الأرض على حب القمح والذرة واللوبيا ، وتتشقق الأرض عن نبات وثمر"
حقا رواية مختلفة تماما عن الكثير مما قرأت قبلا و حقا كاتب له طابع جديد جدا حيث يتسم بالتفاعل الشديد مع بيئته الأم رغم قضاء حياته في لندن

انصح كل من يقرأ تلك التدوينة بمطالعة تلك الرواية الجميلة.

Comments

Popular posts from this blog

يا منفي

الشيخ عبود بطل الحرب و السلام

اسكندرية،،، ليه؟!